القول في تأويل قوله تعالى: {قَالَ نَكِّرُوا لَهَا عَرْشَهَا نَنْظُرْ أَتَهْتَدِي أَمْ تَكُونُ مِنَ الَّذِينَ لا يَهْتَدُونَ فَلَمَّا جَاءَتْ قِيلَ أَهَكَذَا عَرْشُكِ قَالَتْ كَأَنَّهُ هُوَ وَأُوتِينَا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهَا وَكُنَّا مُسْلِمِينَ} [41- 42].{قَالَ نَكِّرُوا لَهَا عَرْشَهَا} أي: اجعلوه متنكراً متغيراً عن هيئته وشكله كما يتنكر الرجل للناس: {نَنْظُرْ أَتَهْتَدِي أَمْ تَكُونُ مِنَ الَّذِينَ لا يَهْتَدُونَ} أي: لمعرفته: {فَلَمَّا جَاءَتْ قِيلَ أَهَكَذَا عَرْشُكِ قَالَتْ كَأَنَّهُ هُوَ} قال المهايميّ: لم تقل: هو هو خوفاً من التكذيب، مع نوع من التغيير. ولا لا خوفاً من التجهيل.وقال الزمخشري: لم تقل: هو هو ولا ليس به وذلك من رجاحة عقلها حيث لم تقطع في المحتم. أي: فَأتت بكأن الدالة على غلبة الظن.قال الشهاب: وهذا إشارة إلى أن كأن ليس المراد بها هنا التشبيه بل الشك وهو مشهور فيها.وقد أبدى صاحب الانتصاف فرقاً بين كأن وهكذا في التشبيه. وعبارته: وفي قولها: كأنه هو وعدولها عن مطابقة الجواب للسؤال بأن تقول: هكذا هو نكتة حسنة. ولعل قائلاً يقول: كلتا العبارتين تشبيه. إذ كان التشبيه فيهما جميعاً، وإن كانت في إحداهما داخلة على اسم الإشارة، وفي الأخرى داخلة على المضمر، وكلاهما أعني: اسم الإشارة والمضمر واقع على الذات المشبهة. وحينئذ تستوي العبارتان في المعنى. ويفضل قولها: هكذا هو بمطابقته للسؤال. فلابد في اختيار: {كَأَنَّهُ هُوَ} من حكمة. فنقول: حكمته، والله أعلم، أن: {كَأَنَّهُ هُوَ} عبارة من قرب عنده الشبه حتى شكك نفسه في التغاير بين الأمرين. فكاد يقول: هو هو وتلك حال بلقيس. وأما هكذا هو فعبارة جازم بتغاير الأمرين، حاكم بوقوع الشبه بينهما لا غير. فلهذا عدلت إلى العبارة المذكورة في التلاوة، لمطابقتها لحالها، والله أعلم. انتهى.وقوله تعالى: {وَأُوتِينَا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهَا وَكُنَّا مُسْلِمِينَ} هذا من تمام كلام سليمان عليه السلام، شكراً لله على فضلهم عليها، وسبقهم إلى العلم بالله وبالإسلام. أي: وأوتينا نحن العلم بالله وبقدرته، وبصحة ما جاء من عنده، قبل علمها الذي أومأ إليه قولها: {كأنه هو} والجملة عطف على مقدر اقتضاه المقام المقتضى، للإفاضة في وصفها برجاحة الرأي في الهداية للإسلام. والتقدير: أصابت في جوابها وقد رزقت الإسلام، وعلمت قدرة الله. وأوتينا العلم الخ. وقيل إنه من كلام بلقيس، موصولاً بقولها: {كأنه هو}، لا من كلام سليمان، كأنها ظنت أنه أراد بذلك اختبار عقلها وإظهار معجزة لها، فقالت: أوتينا العلم الخ. أي: لا حاجة إلى الاختبار لأني آمنت قبل. وهذا يدل على كمال عقلها.أو المعنى: علمنا إتيانك بالعرش قبل الرؤية، أو هذه الحالة بالقرائن أو الأخبار.قال ابن كثير: ويؤيد الأول، أي: أنه من كلام سليمان، أنها إنما أظهرت الإسلام بعد دخولها إلى الصرح، كما سيأتي، والله أعلم. وقوله تعالى: